في أعماق صحراء مأرب، حيث تتقاطع الرمال مع الجبال الصخرية، يختبئ كهف غامض أثار فضول السكان المحليين والباحثين لعقود. يُعرف ببساطة باسم "كهف مأرب"، لكنه يحمل وراءه قصصًا وأساطير تتحدث عن مخلوقات غيبية، وأحداث غير مألوفة، وحتى نظريات تربطه بالكون وأبعاده الخفية. فهل هو مجرد تشكيل جيولوجي طبيعي؟ أم أن هناك ما هو أبعد من ذلك؟ في هذه المقالة، نستعرض هذا الكهف من زوايا متعددة: جغرافية، تاريخية، شعبية، وأسطورية.
عرض النقاط الرئيسية
يرتبط اسم كهف مأرب بشكل مباشر باسم المحافظة اليمنية التاريخية مأرب، التي كانت عاصمة مملكة سبأ الشهيرة. لم يُعرف للكهف اسم مستقل في الموروث الشعبي أو السجلات الرسمية، بل أُطلق عليه هذا الاسم نسبةً لموقعه الجغرافي، تمييزًا له عن غيره من الكهوف المنتشرة في اليمن. ومع غياب توثيق أثري دقيق، ظل اسم "كهف مأرب" مستخدمًا شعبيًا للدلالة على هذا الموقع الغامض.
قراءة مقترحة
وقد أطلق عليه بعض السكان المحليين تسميات شعبية مثل "كهف الجن" أو "بوابة الغيب"، تعبيرًا عن الغموض الذي يلفه والأساطير التي تحيط به. إلا أن الاسم الرسمي أو الأكاديمي لم يترسخ بعد، بسبب قلة الدراسات الميدانية حول الكهف، الأمر الذي يزيد من غموضه.
لا يُعرف بشكل دقيق من هو أول من اكتشف كهف مأرب، إذ أن الكهف ظل لفترة طويلة جزءًا من المعرفة المحلية المحصورة في روايات البدو وسكان المناطق المحيطة. يمكن القول إن الرعاة والبدو الرحّل هم أول من اكتشف الكهف وعاين مدخله، وقد تناقلت الأجيال تلك المعرفة شفويًا عبر القصص والأساطير.
أما من الناحية العلمية أو الرسمية، فلا توجد حتى الآن بعثة أثرية أو جيولوجية موثقة تعلن عن "اكتشاف" الكهف بمعناه الأكاديمي. ومع ذلك، فقد قام بعض المغامرين اليمنيين بتوثيق زياراتهم إليه خلال السنوات الأخيرة، ونشروا مشاهداتهم على الإنترنت، مما ساعد في لفت الأنظار إلى وجوده.
لا يُوجد حتى الآن ذكر صريح أو موثّق لكهف مأرب في المصادر التراثية العربية القديمة مثل كتب الجغرافيا أو المؤلفات الأدبية المبكرة، ككتاب "معجم البلدان" لياقوت الحموي أو "صورة الأرض" للإدريسي، وهي التي عادة ما ترصد الظواهر الطبيعية والمعالم الجغرافية.
ومع ذلك، فإن الأساطير المتعلقة بالجن والكهوف في مأرب تظهر بشكل واسع في التراث الشعبي غير المدون. يُعتقد أن كهف مأرب ربما كان مذكورًا ضمنيًا في حكايات أهل المنطقة عن مساكن الجن أو "مغارات الأرواح"، لكن لم يتم الربط بين الاسم الحالي والمرويات القديمة بشكل مباشر.
وتشير بعض الفرضيات إلى احتمال ارتباط الكهف بطقوس دينية سرية لمملكة سبأ، خاصةً مع وجود بعض النقوش والآثار القريبة من موقعه، لكنها لا تزال فرضيات بحاجة إلى دراسات أثرية دقيقة لإثباتها.
يقع كهف مأرب في محافظة مأرب شرق اليمن، وهي منطقة غنية بالتراث الحضاري والتاريخي، وكانت عاصمة مملكة سبأ العظيمة. يمتد الكهف وسط تكوينات صخرية نادرة، ويتطلب الوصول إليه السير على الأقدام لمسافات طويلة، أو باستخدام سيارات الدفع الرباعي عبر طرق وعرة.
ويتميّز الكهف بمدخله الضيق نسبيًا، والذي يتسع تدريجيًا ليصل إلى صالات داخلية مظلمة ومتشعبة، تمتد لمئات الأمتار. وقد لاحظ المستكشفون وجود تهوية طبيعية غريبة داخله، مع تدفق هواء بارد لا يتناسب مع حرارة الصحراء المحيطة به، ما أضفى عليه هالة غموض إضافية.
لطالما ارتبط الكهف في الذاكرة الشعبية اليمنية بأساطير الجن. ويؤمن العديد من السكان أن الكهف ليس مجرد كهف طبيعي، بل موطن لقبائل من الجن الذين استوطنوا باطن الأرض منذ عصور ما قبل البشر. وتتناقل الروايات قصصًا عن أناس دخلوا الكهف ولم يعودوا، أو عن أصوات غريبة تُسمع من داخله عند منتصف الليل.
من أبرز الأساطير الشائعة:
وتُستخدم هذه القصص أحيانًا لتخويف الأطفال أو لمنع الناس من الاقتراب من المكان، ولكنها أيضًا شكلت جزءًا أصيلًا من الموروث الثقافي اليمني الغني بالخرافات والمعتقدات الشعبية.
بعيدًا عن الجن، ظهرت في السنوات الأخيرة نظريات معاصرة أكثر إثارة، تشير إلى أن كهف مأرب قد يكون بوابة نجمية (Stargate)، أي مدخلًا إلى أبعاد كونية أو عوالم موازية، أو حتى معبرًا استخدمته حضارات متقدمة من خارج كوكب الأرض.
تستند هذه النظريات إلى:
رغم أن هذه التفسيرات تفتقر للأدلة العلمية المباشرة، فإنها تلقى رواجًا واسعًا بين المهتمين بالظواهر الخارقة للعادة ونظريات الكائنات الفضائية.
لم يُدرس كهف مأرب بشكل كافٍ من قبل الجيولوجيين أو علماء الأنثروبولوجيا، ويرجع ذلك إلى صعوبة الوصول إليه وتردي الوضع الأمني في بعض فترات اليمن. إلا أن بعض البعثات المحلية قامت بمحاولات استكشافية أولية، خلصت إلى ما يلي:
هذه النتائج تُظهر أن الكهف طبيعي التكوين، لكنه لم يُفك شفرته بالكامل بعد.
تقول بعض الدراسات التاريخية أن كهف مأرب كان له دور طقوسي أو ديني في حضارة سبأ. فقد كانت الكهوف في الثقافات القديمة تُعتبر رموزًا للعوالم السفلى أو أماكن للتأمل والتواصل مع القوى الروحية.
وربما استخدم الكهف كمكان للعبادة السرية أو العزلة الروحية من قبل الكهنة أو الملوك السبئيين، خاصة إذا ما كان يقع قرب مسارات القوافل التجارية القديمة التي ربطت اليمن بالجزيرة العربية وبلاد الشام.
كما عُثر في محيط الكهف على شظايا فخارية وأحجار منقوشة بكتابة المسند، ما يعزز هذا الطرح، وإن كانت تلك الأدلة لا تزال بحاجة لتوثيق أثري شامل.
رغم قلة الدراسات العلمية، فإن الكهف استقطب بعض المغامرين ومحبي الاستكشاف، الذين شاركوا تجاربهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومن أشهر ما ورد:
يعتقد البعض أن هذه الظواهر مرتبطة بتغيّرات مغناطيسية داخل الكهف أو تأثيرات نفسية ناتجة عن الظلام والصمت المطبق، بينما يراها آخرون دلائل على طاقة خارقة أو وجود "بوابة كونية مخفية".
عند النظر بعين العقل، يمكن تحليل الأساطير والظواهر الغريبة المرتبطة بكهف مأرب على النحو التالي:
لكن من جهة أخرى، تبقى الأساطير عنصرًا مهمًا لفهم العلاقة بين الإنسان والمكان، خاصة في بيئة غنية بالتاريخ والعقائد كاليمن.
عند النظر بتمعّن في الظواهر الغريبة التي يرويها الناس عن كهف مأرب، يمكن أن نجد تفسيرات علمية معقولة قد تفسر الكثير من تلك المشاهدات الغامضة. فمثلًا، الأصوات الغريبة التي يزعم البعض سماعها من داخل الكهف قد تكون ببساطة نتيجة لارتداد الصوت داخل الفراغات الصخرية، حيث يتردد الصدى بشكل مضاعف في الكهوف، ما يخلق وهمًا بوجود همسات أو أصوات غير بشرية.
أما عن تعطل الأجهزة الإلكترونية كالكاميرات والهواتف، فقد يكون مرده إلى وجود مجال مغناطيسي طبيعي داخل الكهف، نتيجة لتركيبة الصخور أو المعادن الموجودة في باطن الأرض، مما يؤدي إلى اضطراب عمل بعض الأجهزة الحساسة.
وفيما يخص القصص التي تتحدث عن اختفاء أشخاص داخل الكهف، فإنها غالبًا ما تكون مبالغات ناتجة عن التهويل الشعبي، أو ربما مجرد حكايات خيالية تُستخدم لتغذية الطابع الأسطوري للمكان.
وبالنسبة إلى الشعور بالخوف أو القلق الذي ينتاب الكثيرين عند الدخول إلى الكهف، فله تفسير نفسي واضح؛ إذ إن التواجد في مكان مظلم، مغلق، وهادئ بشكل غير طبيعي، يمكن أن يولد في الإنسان شعورًا بالرهبة وربما الهلوسة الحسية.
هكذا نرى أن معظم الظواهر التي توصف بأنها خارقة أو غامضة يمكن تفسيرها من منظور علمي ومنطقي، دون أن نقلل من أهمية الأساطير الشعبية التي تضيف للمكان عمقًا ثقافيًا ورمزيًا مميزًا.
يبقى كهف مأرب لغزًا مفتوحًا، تتقاطع فيه الأسطورة مع الواقع، والعلم مع الغيب. قد يكون كهفًا طبيعيًا نادر التكوين، أو موقعًا له دلالات حضارية قديمة، وربما لا يزال يخفي أسرارًا لم تُكشف بعد.
سواء اعتبرناه مسكنًا للجن، أو بوابة نجمية، أو تحفة جيولوجية فريدة، فإن المؤكد أنه يمثل فرصة علمية وسياحية ضخمة لو تم استثماره واستكشافه بطريقة علمية آمنة.
فهل يكون المستقبل كفيلًا بكشف حقيقة كهف مأرب؟ أم أنه سيظل، كما هو عبر العصور، بابًا مواربًا بين عالمنا وعوالم أخرى؟
السنة الإسلاميّة الجديدة – ما هو محرّم؟ وما هي أهميته؟
طعام مريح مثالي: وصفات بودنغ محلية الصنع تدفئ عقلك
أشهر العادات الفاطمية في مصر حتى اليوم
استرخاء على شواطئ فالبارايزو: جنة عشاق الشمس والبحر
لغز النوم: فهم الطبيعة والسلوك والاستراتيجيات لمنع نوبات النوم القصيرة
هل "الأفضل" عدوّ "الجيّد"؟ ما هي علامات النزعة إلى الكمال؟
استكشاف شوارع بروج الساحرة: دليل لمدينة بلجيكا المبهجة
بطريق الإمبراطور: ماستر نهائي للبقاء على قيد الحياة في البيئات القاسية
دليل السفر إلى لوسيرن: نصائح لزيارة لا تُنسى إلى جوهرة سويسرا
فانكوفر: دليل الاستكشاف الشامل لأجمل مدينة ساحلية في كندا